اللحن الأخير للموت
المؤلف قصص الضحايا
تاريخ النشر
آخر تحديث

 صدى جريمة لا تُنسى





في عالمٍ يتراقص على أنغام الإبداع، حيث تتجسد الروح في كل نوتة موسيقية، وقعت حادثةٌ هزّت أركان السكون، وألقت بظلالها على قصر الفن والعذوبة. في الخامس من يونيو، وفي ساعات متأخرة من الليل، تحوّل منزل الموسيقار العالمي الشهير، أليكساندر فاندربيلت، من واحةٍ للألحان الخالدة إلى مسرحٍ لجريمةٍ غامضة، جريمةٌ لم تترك وراءها سوى لحنٍ مبهم، لحنٌ يحمل في طياته سرّ النهاية.
بينما كانت الشرطة تُحيط بالمكان، ومحققو الطب الشرعي يُمشّطون كل زاوية، كان اللغز الأكبر يكمن في قطعةٍ موسيقية لم تكتمل، مخطوطةٍ وُجدت على البيانو الكبير في غرفة المعيشة، هي الوحيدة التي لم تُسرق أو تُعبث بها. كانت تلك النوتات المتفرقة، الشاهد الصامت على اللحظات الأخيرة لأليكساندر، تُشكل ما بدا وكأنه لحنه الأخير. لحنٌ لم يُكتب له أن يُعزف على المسارح العالمية، بل كان آخر همسةٍ للروح قبل أن تُفارق الجسد.
"كانت أصابعي ترقص على البيانو، ألحان الحياة تتدفق مني، كل نغمةٍ كانت نبضًا لقلبي. في تلك اللحظة، كنت أعيش أقصى درجات الشغف، أتفاعل مع كل وتر، وأصنع سيمفونيةً من الوجود. لم أكن أعلم أن تلك اللحظة هي ذروة حياتي، وأن الألحان التي تتدفق مني الآن ستكون هي الألحان التي تودعني."
هكذا بدأت المذكرات الصوتية التي عُثر عليها لاحقًا في استوديو أليكساندر الخاص، صوتٌ متهدجٌ لكنه يحمل قوةً وجلالًا، كأنه صدى روحه التي ما زالت عالقةً بين النغمات.
"سمعت صوتًا غريبًا، كأنه همسٌ قادمٌ من الظلام. للحظة، اعتقدت أنه مجرد خيال، أو أن عقلي المنهك من ساعات العمل الطويلة بدأ يُلاعبني. لكن الصوت تكرر، أكثر وضوحًا هذه المرة، ثم تبعه صمتٌ مطبق. صمتٌ لم يكن صمتًا عاديًا، بل كان صمتًا ثقيلًا، يُنذر بالخطر، كأنه الفراغ الذي يسبق العاصفة."
لم يترك الجاني أي دليل مادي يُذكر. لا بصمات، لا آثار اقتحام واضحة. فقط ذلك اللحن المتروك على البيانو، شهادةٌ صامتة، لغزٌ محيّر، وكأن القاتل أراد أن يُخلد فعلته بلغة الموسيقى، لغة الضحية ذاته.
"في تلك اللحظة الأخيرة، عندما أدركت أن الحياة تنسحب مني، وأن الظلام بدأ يُحيط بي، أخذت أصابعي تعزف آخر لحنٍ في حياتي. لحنٌ لم يكن مكتملًا، لحنٌ لم يكن مخصصًا لأي جمهور، بل كان لي وحدي، ولقاتلي. لحنٌ يحمل في طياته مرارة الرحيل، وصرخة الروح التي ترفض أن تستسلم. لحنٌ لن يسمعه أحد غيري، ولن يُفهم معناه إلا من كان حاضرًا في تلك اللحظة المشؤومة."
لا يزال التحقيق جاريًا، وكلّ خيطٍ يقود إلى طريقٍ مسدود. لكن المؤكد أن موت أليكساندر فاندربيلت لم يكن نهايةً عادية. كان نهايةً فنية، نهايةً مُنغمة بآخر نوتاته، نهايةً تُحفر في ذاكرة التاريخ كأحد أكثر الألغاز إثارةً للدهشة في عالم الفن والجريمة. اللحن الأخير للموت، سيمفونيةٌ من الصمت، تُردد صداها في أروقة العدالة، بانتظار من يفك شيفرتها ويكشف النقاب عن قاتلٍ تجرأ على إسكات نغمةٍ خالدة.


تعليقات

عدد التعليقات : 0