الهمس الأخير في الليل: عندما تبتلع النجوم الحقيقة

 الهمس الأخير في الليل: عندما تبتلع النجوم الحقيقة
المؤلف قصص الضحايا
تاريخ النشر
آخر تحديث

 الهمس الأخير في الليل: عندما تبتلع النجوم الحقيقة



النجوم تتلألأ فوقي، كأنها تحاول أن تحذرني. هل كانت تتوسل إلي لأستمع؟ أم كانت تشهد على ما سيحدث؟ لا أعرف. كل ما أتذكره الآن هو ذلك الهمس، همسٌ لم يكن غريبًا تمامًا، لكنه كان يرتجف بوعيدٍ لم أفهمه حينها. كان هذا آخر شيء أتذكره قبل أن يبتلعني الظلام... هل كان هذا صوت من أحب؟ أم صوت من سيقضي عليّ؟

كانت تلك الليلة كغيرها من الليالي الصيفية الهادئة. نسيم عليل يداعب الستائر، وصوت حفيف أوراق الشجر في الخارج ينسج لحنًا رتيبًا. كنتُ مستلقية على سريري، أحاول أن أستسلم للنوم، ولكن عقلي كان يرفض الاستقرار. ربما كانت تلك هي الإشارة الأولى، ذلك الشعور الغريب الذي يهمس بأن شيئًا ليس على ما يرام، لكنني تجاهلته.

ثم جاءت المكالمة. رنين خافت كسر سكون الليل، جعل قلبي ينتفض. ترددت للحظة، من قد يتصل في مثل هذا الوقت المتأخر؟ عندما أجبت، لم أسمع سوى همس. لم يكن صوتًا واضحًا، بل كان كأنه يأتي من مكان بعيد، من خلف حجاب من الضباب. كان الصوت مألوفًا بطريقة غريبة، لكنه في الوقت نفسه كان يحمل نبرة لم أعهدها من قبل، نبرة باردة كالصقيع، ووعدت بالكثير. كلماتٌ غير مفهومة، تداخلت مع أصوات غير واضحة، كأنها أصوات رياح بعيدة أو خطوات خفية. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، إحساسٌ بالخوف تملّكني فجأة.

حاولتُ أن أسأل، أن أفهم، لكن الكلمات لم تخرج من حلقي. كان الهمس يتسرب إلى أذني، يلفني كشباك عنكبوت، ويثير في داخلي شعورًا بالارتباك والرهبة. للحظة، شعرت وكأن الزمن قد توقف، وأنني أصبحت محاصرة في هذه المكالمة الغامضة. هل كان ذلك نداء استغاثة؟ أم تهديدًا مبطنًا؟ لم أكن أدرك في تلك اللحظة أن هذا الهمس سيغير مجرى حياتي إلى الأبد، أو بالأحرى، سيُنهي حياتي.

ثم، انقطع الخط. عاد الصمت، لكنه لم يكن صمتًا هادئًا كالسابق، بل كان صمتًا ثقيلًا، مليئًا بالترقب والخوف. حاولت أن أفسر ما حدث، أن أجد منطقًا لما سمعته، لكن عقلي كان مشوشًا. نهضت من الفراش، وسرت نحو النافذة. النجوم كانت لا تزال تتلألأ، كأنها عيون تراقبني، لكنها بدت الآن أكثر برودة، وأكثر بعدًا. شعرت بنظرة تتبعني، إحساس غريب بوجود شخص ما. هل كنت أتوهم؟

لم أجد إجابة. الظلام بدأ يبتلعني، ليس ظلام الليل فحسب، بل ظلامٌ أعمق، ظلامٌ جاء لينهي كل شيء. آخر ما أتذكره هو شعور باليدين تمتدان نحوي من الخلف، كابوس يتحقق في يقظة مرعبة. لم أستطع أن أصرخ، لم أستطع أن أقاوم. كل ما تبقى هو هذا الهمس، صداه يتردد في أعماق روحي، يتساءل بلا نهاية: هل كان هذا صوت من أحب؟ أم صوت من قضى عليّ؟

النجوم لا تزال تتلألأ في السماء، تشهد على قصتي. هل سيكشفون الحقيقة يومًا ما؟ هل سيجدون من همس لي ذلك الهمس الأخير؟ ربما لن أعرف أبدًا. لكنني آمل أن يسمع أحدهم صدى همسي في هذا الليل، صدى قصة فتاة اختفت بعد مكالمة غامضة، فتاة ابتلعها الظلام، وبقيت روحها تتساءل عن هوية "الهمس الأخير".


تعليقات

عدد التعليقات : 0